فصل: أسئلة وأجوبة أخرى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الرابع: لماذا شرعت العدة على المرأة؟

ذكر العلماء لحكمة مشروعية العدة وجوهًا عديدة نجملها فيما يلي:
أ- معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
ب- للتعبد امتثالًا لأمر الله عز وجل حيث أمر بها النساء المؤمنات.
ج- إظهار الحزن والتفجع على الزوج بعد الوفاة اعترافًا بالفضل والجميل.
د- تهيئة فرصة للزوجين في الطلاق لإعادة الحياة الزوجية عن طريق المراجعة.
هـ- التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لا يتم إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لأصبح بمنزلة لعب الصبيان، يتم ثم ينفك في الساعة.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
فرض الله العدة على المسلمة، حفاظًا على كرامة الأسرة، ورعاية لها من التحلل والتفكك واختلاط الأنساب، وإحدادًا على الزوج بإظهار التفجع والحزن عليه بعد الوفاة، احترامًا للرابطة المقدسة رابطة الزواج واعترافًا بالفضل والجميل لمن كان شريكًا في الحياة، وقد كانت العدة في الجاهلية حولًا كاملًا، وكانت المرأة تحد على زوجها شرّ حداد وأقبحه، فتلبس شرّ ملابسها، وتسكن شر الغُرف وهو الحفش وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمسّ ماءًن ولا تقلّم ظفرًا، ولا تزيل شعرًا، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وأنتن رائحة، فتنتظر مرور كلب لترمي عليه بعرة احتقارًا لهذه المدة التي قضتها، وتعظيمًا لحق زوجها عليها.
فلما جاء الإسلام أصلح هذه الحال، فجعل الحداد رمز طهارة لا رمز قذارة، وجعل العدة على نحو الثلث مما كانت عليه، ولم يحرّم إلا الزينة والطيب والتعرض لأنظار الخاطبين من مريدي الزواج، دون النظافة والطهارة فإنهما شعار المسلم، وأباح له الجلوس في كل مكان من البيت، كما أباح لها الاجتماع مع النساء والمحارم من الرجال. ونساء المسلمين اليوم لا يسرن على هدي الإسلام في الحداد، فمنهن من تغالي في الحداد، وتغرق في النوح والندب، والخروج على المألوف من العادات، في اللباس والطعام والشراب، ولا يخصصن الزوج بما خصه به الشرع، بل ربما حددن على آبائهن أو أولادهن السنة والسنتين، وربما تركن الحداد على الزوج بعد الأربعين.
فالخير كل خير في إصلاح هذه العادات الرديئة في الحداد، إذ لا فائدة فيها إلاّ إفناء المال في تغيير اللباس والأثاث والرياش، وفساد آداب المعاشرة، ولا سبيل إلاّ بالعودة لأحكام الشرع بالحداد ثلاثة أيام على القريب، وأربعة أشهر وعشرًا على الزوج، وجعل الحداد مقصورًا على ترك الزينة والطيب والخروج من المنزل. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: ما الحكمة من كون عدة المرأة أربعة أشهر وعشرا عند وفاة زوجها؟

الجواب: الحمد لله.
أولا: معرفة الحكمة من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم له طريقان:
الأول: أن تكون الحكمة قد ورد النص عليها في الكتاب أو السنة كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} البقرة: 143، وقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء: 165. وكقوله صلى الله عليه وسلم: «فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ». رواه مسلم. فهذا وأمثاله كثير مما جاءت فيه الحكمة منصوصا عليها.
والثاني: أن يستخرجها العلماء عن طريق الاستنباط والاجتهاد، وهذا قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ، وقد تخفى الحكمة على كثير من الناس، والمطلوب من المؤمن التسليم لأمر الله تعالى وامتثاله في جميع الأحوال، مع الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى حكيم، له الحكمة التامة والحجة البالغة، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
ثانيا: أمر الله تعالى المرأة أن تعتد لوفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا، فقال: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة: 234، ولم ينص سبحانه على الحكمة من ذلك نصا صريحا، فاستنبط أهل العلم ما رأوه حكمة تتناسب مع قواعد الشريعة العامة في حفظ الأنساب والأعراض.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقد ذكر سعيد بن المسيب، وأبو العالية وغيرهما، أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا، لاحتمال اشتمال الرحم على حمل، فإذا انتُظر به هذه المدة، ظهر إن كان موجودًا، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح» فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه، والله أعلم.
قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح، وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فيه الروح، رواهما ابن جرير انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر، والأنثى لأربعة، فزاد الله سبحانه على ذلك عشرًا، لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلًا ولا تتأخر عن هذا الأجل انتهى.
وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز الخروج عن الحكم الشرعي استنادا للحكمة المستنبطة، فليس لقائل أن يقول: إذا كانت الحكمة من العدة هي التأكد من وجود الحمل أو عدمه، فإن الطب الحديث يمكنه معرفة ذلك في بداية الحمل فلا حاجة لاعتداد المرأة هذه المدة. ليس له ذلك، لأن الحكمة المذكورة أمر أخذه العلماء بالاستنباط والاجتهاد، وقد يكون خطأ، أو يكون جزءا من الحكمة لا تمامها، فلا يجوز ترك الأمر المقطوع به، المجمع عليه، لحكمة مستنبطة يعتريها الخطأ. والله أعلم. اهـ.

.سؤال: هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَتَاعًا إِلَى الْحَولِ غَيرَ إِخْرَاج} [البقرة: 240]:

فإن قيل: فهي متقدمة والناسخ يجب أن يكون متأخرًا، قيل هو في التنزيل متأخر، وفي التلاوة متقدم.
فإن قيل: فَلِمَ قُدِّم في التلاوة مع تأخره في التنزيل؟ قيل: ليسبق القارئ إلى تلاوته ومعرفة حكمه حتى إن لم يقرأ ما بعده من المنسوخ أجزأه. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: فما المعنى في رفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهن؟

ففيه جوابان:
أحدهما: أن الخطاب تَوَجّه إلى الرجال فيما يلزم النساء من أحكام العِدّة، فإذا بلغن أجلهن ارتفع الجناح عن الرجال في الإنكار عليهن وأخذهن بأحكام عددهن.
والثاني: أنه لا جناح على الرجال في نكاحهن بعد انقضاء عِدَدِهن. اهـ.

.سؤال عن عدة المتوفى عنها زوجها:

فإن قلت: كيف لا تلتفت الشريعة على هذا إلى ما في طباع النساء من الحزن على وفاة أزواجهن؟ وكيف لا تبقى بعد نسخ حزن الحول الكامل مدة ما يظهر فيها حال المرأة؟ وكيف تحل الحامل للأزواج لو وضعت حملها وزوجها لما يوضع عن سريره كما وقع في قول عمر؟
قلت: كان أهل الجاهلية يجعلون إحداد الحول فرضًا على كل متوفى عنها، والأزواج في هذا الحزن متفاوتات، وكذلك هن متفاوتات في المقدرة على البقاء في الانتظار لقلة ذات اليد في غالب النساء، فكن يصبرن على انتظار الحول راضيات أو كارهات، فلما أبطل الشرع ذلك فيما أبطل من أوهام الجاهلية، لم يكترث بأن يشرع للنساء حكمًا في هذا الشأن، ووكله إلى ما يحدث في نفوسهن وجِدَتهن، كما يوكل جميع الجبليات والطبيعيات إلى الوجدان؛ فإنه لم يعين للناس مقدار الأكلات والأسفار والحديث ونحو هذا، وإنما اهتم بالمقصد الشرعي وهو حفظ الأنساب، فإذا قضى حقه فقد بقي للنساء أن يفعلن في أنفسهن ما يشأن من المعروف، كما قال: {فلا جناح عليكم فيما فعلن} فإذا شاءت المرأة بعد انقضاء العدة أن تحبس نفسها فلتفعل.
أما الأزواج غير المدخول بهن فعليهن عدة الوفاة دون عدة الطلاق لعموم هذه الآية، ولأن لهن الميراث، فالعصمة تقررت بوجه معتبر، حتى كانت سبب إرث، وعدم الدخول بالزوجة لا ينفي احتمال أن يكون الزوج قد قاربها خفية، إذ هي حلال له، فأوجب عليها الاعتداد احتياطًا لحفظ النسب، ولذلك قال مالك، وإن كان للنظر فيه مجال، فقد تقاس المتوفى عنها زوجها الذي لم يدخل بها على التي طلقها زوجها قبل أن يمسها، التي قال الله تعالى فيها: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49].
وقد ذكروا حديث بروع بنت واشق الأشجعية، رواه الترمذي عن معقل بن سنان الأشجعي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق وقد مات زوجها، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها أن لها مثل صداق نسائها، وعليها العدة ولها الميراث ولم يخالف أحد في وجوب الاعتداد عليها، وإنما اختلفوا في وجوب مهر المثل لها. اهـ.

.أسئلة وأجوبة أخرى:

قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} وفى الآية الأخرى بعد: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم} فيهما ثلاث سؤالات.
الأول: ما وجه التعريف في قوله: {بالمعروف} والتنكير في الثانية في قوله: {من معروف}؟ والثانى: ما وجه خصوص الأول بالباء والثانى بمن؟
والثالث: ما وجه تعقيب الأولى بقوله: {والله بما تعملون خبير} والثانية بقوله: {والله عزيز حكيم}؟
والجواب عن الأول: أن الواقع في الآية الأولى من قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن في أنفسهن أربعة أشهر وعشرا} ثم قال: {فإذا بلغن أجلهن} أي باستيفائهن أربعة أشهر والعشر والمراد يخرجن عند ذلك من تمام الأجل المضروب لعدتهن فهذا كله بما تقتضيه إذا قد أحرز أمدا محدودا معلوم القدر معروف الغاية يتقيد به خروجهن فناسبه التعريف في قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} أن المعلوم من موجب الشرع.
وأما قوله تعالى في الآية الأخرى: {فإن خرجن} ولم يذكر بلوغ الأجل وليس التقييد الحاصل من إن بلوغ الأمد المضروب قبل وهو الحول مثل التقييد الحاصل من الظرف المستقبل الذي هو إذا إذ ليست إن كإذا، ألا ترى أنك تقول: أقوم إذا قام زيد فيقتضى من قيامك هذا أن قيامك مرتبط بقيامه ولا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه بل يعاقبه على الاتصال وأما إذا قلت: أقوم إن قام زيد فأقصى ما يقتضى هذا أن قيامك بعد قيامه وقد يكون عقبه وقد يتأخر عنه فإنما يحصل من أن التقييد بالاستقبال دون اقتضاء تعقيب أو مباعدة فحصل في ظاهر اللفظ إبهام من جهتين:
إحداهما كون الأجل لم يذكر بلوغه والثانية ما تقتضيه إن على ما بين فناسبه التنكير في قوله: {من معروف}.
فإن قيل: الحول المذكور في قوله تعالى في أول الآية: {متاعا إلى الحول} معلوم التوقف وهو كأن الأجل المضروب لهن في العدة قبل أن ينسخ الأربعة أشهر والعشر وقد اتصل بقوله: {فإن خرجن} قوله: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن} وذلك منبئ أعنى قوله: {فلا جناح عليكم} برفع الحرج وأنهن لم يقع منهن معصية في الخروج وإنما ذلك لخروجهن عند الأمد فقد تقيد خروجهن بوقت معلوم وهو تمام الحول فارتفع الإبهام.
قلت: بقى رعى المناسبة مما يتأكد التفاته فوضح ورود كل من العبارتين على ما يجب من المناسبة.
وجواب ثان وهو أن قوله في الآية الأولى: {بالمعروف} المراد به الوجه الذي لا ينكره الشرع ولا يمنعه ولهذا وصل الفعل هاهنا بالباء والإحالة على متقرر معلوم وهو الشرع فورد معرفا بأداة العهد وعدى فعلن بالباء ثم جاءت الآية الثانية لتأخرها في التلاوة مشيرة إلى تفصيل ما يفعلن في أنفسهن من التزين والتعرض للخطاب وما يجارى ذلك من معروف مما ليس بمنكر شرعا والتنكير هنا محرز للمعنى المقصود ومن للتبعيض وهو تفسير وكأن قد قيل في الوجه المباح لهن الذي لا يمنعه الشرع فجووب بتفصيل مشير إلى أنه ليس وجها واحدا لا يتعدينه بل لهن أن يتزين ويتعرض للخطاب ويفصحن بما يطلبنه من صداق وغير ذلك من مصالحهن المباحة لهن شرعا فهذا موضع من وموضع التنكير والأول موضوع الباء والتعريف بحسب ما قصد في كل من الموضعين على ما تقدم وقد وضح جواب السؤالين.
والجواب عن السؤال الثالث أن تعقيب الأولى بقوله تعالى: {والله بما تعملون خبير} مناسب لما قبله من تأمينهن على أنفسهن فيما يلزمهن في مدة العدة المذكورة من إحداد وما يتعلق به وفيما يفعلن بعده فإن أضمرن أو كتمن شيئا لا يجوز فعلم الله سبحانه محيط بذلك وهو الخبير به ولما وقع في الآية بعد قوله: {فإن خرجن} وقام فيه احتمال أن يخرجن غير طائعات فيستعجلن أو يتعدين ناسبه ذكر قدرته سبحانه عليهن بالمعاقبة بما شاء أو العفو عن مرتكبهن فهو العزيز الذي لا مغالب له والذى لا يفوته هارب ولا يغيب عنه شيء. اهـ.